خواطر ٤ آب بين بيروت ولندن

Post
شارك

بدأت العمل مع منظمة Concern Worldwide كجزء من فريق المانحين الرئيسي في مكتب لندن في فبراير 2020، واسمها يعني حرفياً "الإكتراث عالمياً". كنت محظوظة جداً لإتاحة الفرصة لي لزيارة برامج Concern في شمالي لبنان قبل أن أبدأ العمل معها في لندن. لقد كانت مراقبة العمل الميداني مباشرة، تجربة تحولية، أحدثت كل الاختلاف في التزامي بالانضمام إلى المنظمة، وهي تهدف لإنهاء الفقر المدقع. ومع ذلك، بعد شهر واحد فقط من عملي الجديد، طغت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) في المملكة المتحدة مما أجبرنا جميعًا على الإغلاق والعمل من المنزل.

كوني لبنانية وترعرعت في بيروت، عدت للعمل من هناك. مرت بضعة أشهر، ومع استمرار عملي في جمع التبرعات، تمكنت من رؤية مدى أهمية جمع الأموال للمنظمة. ومع ذلك، في 4 أغسطس 2020، تغيرت حياتي إلى الأبد. لقد علقت أنا وعائلتي في أكبر انفجار غير نووي في العالم تم تسجيله على الإطلاق، وأنا ممتنة لوجودي في مكتبي اليوم، في حين أن العديد من أصدقائي في المستشفى، قد لا يعيشون ليخبروا قصتهم.

٤ آب
كنت أعمل مع زميلي في مقهى في بيروت – هذه المدينة المرتعبة دوماً من الحرب، لكنها النابضة بالحياة والمضيافة. في حوالي الساعة 5:40 مساءً، طلبت من تاكسي الأوبر أن يصطحبني لمقابلة والدي لتناول مشروب عند غروب الشمس بجانب البحر. بينما كنت أسير باتجاه البحر، لاحظت والدي. فجأة، سمعت صوتا يشبه صوت طائرة تندفع نحونا، ليس مثل طائرة ركاب تحلق، ولكن أقرب بكثير، أسرع بكثير... بدأت الأرض تحتي تهتز وصرخت، "إنه زلزال!" امرأة بجواري أخرجت ابنتها من الماء وصرخت "حرب"! سمعت دوي انفجار، وسقطت على الأرض عندما بدأت سحابة وردية من الفطر تنتشر فوقي، سحابة تبتلع المدينة وهي حية. عادت ذكريات القنبلة المزدوجة التي نجوت منها بالكاد في عام 2008 إلى الظهور. من حولي، كان الزجاج المحطم يتطاير من المباني المجاورة، وكان الأطفال يبكون وكان والدي مذعورًا بشأن مكان أخي، لكن كل ما كنت أفكر فيه هو أمي. شعور يراودني كلما تذكرته، أشعر به في أحشائي. بعدها غمرني شعور بالتسليم بالحدث، وتليت صلاة صغيرة.

كان كل من حولي في حالة من الذعر في حين بدوت أكثر هدوءًا. التقطت هاتفي المكسور وأرسلت إلى أمي رسالة صوتية معتقدة أنها كانت بعيدة عن الانفجار. "أمي، أنا بأمان، أنا بأمان. ماذا عنك؟" لمدة خمس وأربعين دقيقة، لم أسمع أي شيء منها. اتصلت بالمنزل، لا جواب. كان الناس من حولنا خائفين من التحرك كما خافوا من البقاء! انها هستيريا، ضياع! ها نحن، الشعب اللبناني العنيد، يقع في مصيبة جديدة! بمجرد تمكني من الاتصال بالإنترنت ومتابعة الأخبار، أصبح من الواضح أن مكاني الذي أقف فيه هو الذي أحدث الفارق بين الحياة والموت. بعدها ردت أمي على الهاتف، فعلمت انه قد تم نقلها إلى المنزل وكان طبيب في طريقه للعناية بإصاباتها (جزيئات صغيرة من الزجاج المحطم تحت جلدها، خاصة حول ساقيها وقدميها لأنها سقطت على الأرض أثناء الانفجار. لكنها لم تسلم... اليوم التالي دفنت أمي أعز صديقتها.

لسبب ما... على قيد الحياة
يقول بعض الناس إنهم نجوا من الموت، لكن ٤ آب أشعرني أن الموت هو الذي هرب مني، وإذا كنت على قيد الحياة اليوم، فهذا لسبب ما. بصفتي امرأة لبنانية تبلغ من العمر 29 عامًا، نجوت من هذا الانفجار. عام 2005، بينما كنت في طريق عودتي من رحلة مدرسية، نجوت من الانفجار الذي أدخل لبنان في الأتون. عام 2006، نجوت من الحرب الإسرائيلية التي دمرت بلدي وهربت إلى سوريا المجاورة بحثًا عن مأوى. في السنوات التالية، نجوت من سلسلة تفجيرات واغتيالات أودت بحياة العديد...

********

من خلال العمل مع المنظمة، تمكنا من إحداث فارق لضحايا هذه المآسي، فضلاً عن ضحايا الأزمات الإنسانية الأخرى في جميع أنحاء العالم. "الإكتراث" وهو اسم المنظمة عنى لي الاستجابة للانفجار، وتوزيع المأوى ومستلزمات الكرامة للأسر المتضررة. فقد أطلقنا نداء لجمع المزيد من الأموال حتى نتمكن من الوصول إلى المزيد من الناس. بالتواجد هناك على الأرض، لم يحصل فريق العمل في لبنان على لحظة راحة منذ الانفجار، وعمل على مدار الساعة لضمان عدم ترك أي منزل أو شخص دون تأمين الضروريات. لذا كل الاحترام والتقدير لزملائي في لبنان.

قد لا ادرك سبب وجودي على قيد الحياة اليوم، ولكن ما أعرفه هو أن الحياة قصيرة، وما يهم حقًا هو الوقت الذي لديك على هذه الأرض. لذا ادعوكم أيها القراء الكرام لتقديم المساعدة ما يجعل لوجودكم معنى.

*ناشطة وكاتبة

شارك