لقد وثقت كريمة عبود بعدستها تاريخ فلسطين... فهي ابنة القس الإنجيلي سعيد عبود ابن بلدة الخيام اللبنانية الماروني الأصل، الذي هاجر مع والده الى الناصرة في أواسط القرن التاسع عشر حيث كان الجد يعمل في مهنة التدريس في المدرسة الإنجيلية.
ولدت كريمة سنة ١٨٩٣ في الناصرة، ودرست المراحل الأولية فيها وفي بيت لحم، في مدرستي "طاليثا قومي" و"الفرير" ذات الإدارة الفرنسية حيث كانت والدتها السيدة بربارة بدر تدرّس. درست المراحل الثانوية في القدس، أما في أكاديمياً، فقد درست وتخرّجت عبّود من الجامعة الأميركية في بيروت بإجازة في الأدب.
بدأت عبود حرفة التصوير لدى أحد المصورين الأرمن في القدس، وشرعت في ممارسة المهنة منذ عام ١٩١٣. وكان والدها أهداها آلة تصوير في ميلادها السابع عشر، فتعلقت بها وراحت تلتقط الصور للمدن والأماكن الطبيعية والمعالم التاريخية، ولأبناء عائلتها والأصدقاء. ثم افتتحت استوديو لتصوير النساء في بيت لحم، وكان من شأن هذا الاستوديو أن أتاح للعائلات المحافظة تصوير النساء رغم اعتراض بعض رجال الدين والاعتراض على تصوير النساء. افتتحت مشغلاً لتلوين الصور وإكسابها لمعاناً وبريقاً، وفي تلك الأثناء كانت تلتقط الصور المختلفة للمدن الفلسطينية الخمس: بيت لحم وطبرية والناصرة وحيفا وقيسارية. وانتشرت صورها بالتدريج في منازل العائلات المترفة في دمشق والسلط وبيروت والشويفات.
في كتاب صدر عام ٢٠١٣، بعنوان "كريمة عبود: رائدة التصوير النسوي في فلسطين"، صدر سنة ٢٠١٣ باللغة الإنجليزية بالتعاون مع متري الراهب، قام الدكتور عصام نصار في احدى دراسته حول "بدايات التصوير المحلي في فلسطين من وحي كريمة عبود"، ترجمته إلى العربية السيدة أليزا أجازريان، بجمع آثار عبود التصويرية. وفي دراسة ثانية للباحث أحمد مروات حول قصة اكتشاف أول المصورة الفوتوغرافية الأولى كريمة عبود، جمع فيها ٤ ألبومات من الصور المذيلة بخاتمها وكانت تضم صور خمس مدن فلسطينية-بيت لحم ومعالمها كقبة راحيل وطبريا وشواطئها وأسواقها وكنائسها وجوامعها والناصرة وحيفا.
وقد ضم الجزء الثاني من الكتاب مجموعة صور من ألبومات كريمة عبود، حيث عرضت ٨٦ صورة شخصية و٢٢ صورة لأطفال و٨ صور لقسيسين ورهبان و٥١ صورة نسائية وعائلية و٥ صور تراثية بالزي الشعبي والأدوات التراثية كدلال القهوة السادة والهاون والحُلي والمجوهرات الفضية والشطوة - غطاء الرأس التلحمي والناصري، وثلاث صور لمناظر طبيعية من بنايات أسواق في الناصرة وخمس صور عائلية جماعية.
لقد كان حضور النساء في مجموعاتها لافتاً. ولعل هذا الحضور كان تعبيراً عن نظرتها المتحررة لدور المرأة منذ بداياتها. ساهم تكوينها الإنجيلي وتعليمها المبكرين في صياغة شخصيتها التي لم تكتف بالسكون، بل كانت فاعلة كل الفعل فناً تصويراً ومادة توثيقية عن فلسطين قبل نشوء الدولة العبرية.
اذاً، كان لكريمة عبود دور كبير في تلك المهنة المستجدة على المجتمع العربي الشرقي، وبذلك ساهمت من خلال تكنولوجيا التصوير في توثيق المرحلة وفي التحديث والتحول الاجتماعي. عثر على مجموعة تصويرية لها تعود إلى سنة ١٩١٣، وهي تتألف من صور التقطت داخل الاستوديو لنساء فلسطينيات بأزيائهن الجميلة. ولم يمكن اساهمها الاجتماعي اقل أهمية من اساهمها السياسي والثقافي في توثيق وتأكيد الهوية الفلسطينية لما قبل النكبة، التي لم تدركها عبود.
هي اللبنانية الجذور والفلسطينية النشأة، وهي المشرقية التحديثية بلا جدال وبرصانة. اداتها الوحيدة: كاميرا. وافتها المنية باكراً سنة ١٩٤٠، عن عمر يناهز ٤٤ عاماً، حيث عانت من مرض الفشل الكلوي، ودُفنت في مقبرة الكنيسة اللوثرية في بيت لحم.
*المصدر الرئيسي: دراسة لمتري الراهب رئيس المجمع الكنسي لكنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأرض المقدسة بعنوان "كريمة عبود: المرأة خلف العدسة".