الحقيقة الكاملة حول نترات الامونيوم التي انفجرت أمس في مرفأ بيروت، حكاية يرويها قبطان سفينة "روسوس" الروسي بوريس بروكوشيف التي أتت بهذه الشحنة الخطيرة الى مرفأ بيروت في سبتمبر عام 2013 في مقابلة أجراها موقع إلكتروني روسي وتناقلتها مواقع أخرى.*
يقول القبطان: "اليوم وبعد ان سمعت بالانفجار الذي وقع في المرفأ شعرت بالاسى على كل الضحايا، ولكن مسؤولية هذه الكارثة تقع على المسؤولين في المرفأ الذين يعلمون جيدا ان مثل هذه المواد لا يمكن تخزينها بهذه الصورة الخطيرة. السلطات اللبنانية تعلم جيدا من هو مالك السفينة ومن اين اتى بحمولتها الخطيرة والى أين كانت وجهتها، وليس في هذا ما يسيء الى لبنان، أنما الخطر نجم حين احتجزت السلطات اللبنانية كل هذه الكمية من نترات الامونيوم في مكان غير معد لذلك، أملا منهم أن يأتي من يسدد الديون، فدفع الشعب اللبناني الثمن."
وبحسب القبطان، فإن السفينة كانت محملة بـ 2750 طن من هذه المواد، وأنها كانت تبحر تحت علم قبرصي وكانت مملوكة من رجل اعمال روسي يدعى إيغور غريتشوشكين، يحمل الجنسية القبرصية ويقيم في قبرص.
وقد صرح القبطان بروكوشيف بما يلي: "تخلى طاقم البحارة عن سفينة "روسوس" في مطلع سبتمبر من عام 2013 عند رسوها في إسطنبول، فأضطر مالكها الى البحث عن طاقم بديل يقود السفينة في رحلتها الى موزمبيق. وبالفعل جمع صاحب السفينة مجموعة من البحارة لهذه الرحلة، ثم استدعاني لأكون القبطان، فوافقت. وقد سبق لي أن عملت قبطانا لهذه السفينة قبل ذلك بسنوات حين كانت مملوكة لرجل اعمال قبرصي، وقد قررت ترك البحر بعد ذلك والعودة الى مسقط رأسي في اوديسا (روسيا)، ولكني بعدها عدت واستجبت لدعوة ايغور، مالك السفينة للعودة الى قيادتها وأنا اعرفها جيدا."
ويتابع بروكوشيف: "لقد كانت السفينة محملة بشحنة نترات الامونيوم من ميناء باطومي في جمهورية جورجيا وابحرت من هناك قاصدة موزمبيق، ولكن عندما وصلت الى إسطنبول رست في الميناء وغادرها كل بحارتها بلا رجعة. وقد علمنا في وقت لاحق ان خلافا نشب بين البحارة وبين مالك السفينة (ايغور غريتشوشكين) حول رواتبهم التي تراكمت منذ أربعة أشهر، فتركوا سفينته في منتصف الطريق. عندها اضطر المالك للبحث عن طاقم بديل، فوقع اختياره عليّ لأكون قبطانها.
وبالفعل ابحرنا بالسفينة من إسطنبول باتجاه موزمبيق عبر البحر المتوسط باتجاه قناة السويس، ولكن مالك السفينة أبلغنا بينما كنا في عرض البحر بأن علينا ان نعرج على ميناء بيروت لنحمل شحنة إضافية هي عبارة عن منشآت حديدية لسكة الحديد في موزمبيق.
حين وصلنا الى مرفأ بيروت، حاولنا تحميل هذه المنشآت الجاهزة الضخمة على متن السفينة القديمة المتهالكة، فبدأت تغوص تحت وطأة الثقل الهائل للحمولة الإضافية، مما شكل خطرا عليها، وبعد عدة محاولات فشلنا في تثبيت هذه المنشآت بحيث لا تشكل خطرا على السفينة، فقررنا مغادرة مرفأ بيروت بدون أخذ شحنة المنشآت الحديدية. ولكن إدارة المرفأ منعتنا من المغادرة بدعوى ان سفينة "روسوس" التي كنا على متنها مديونة للسلطات اللبنانية مبالغ من المال لقاء رسوّها في مرة سابقة في الميناء، كما تتوجب عليها رسوم مقابل رسوها هذه المرة."
ويضيف: "عندها أصبحنا رهائن، فلم يسمح لنا اللبنانيون بمغادرة السفينة في انتظار سداد المستحقات، ولما طال انتظارهم دون ان يحضر مالك السفينة لتسوية الديّن، نقلوا سفينتنا الى أحد الأرصفة الجانبية من المرفأ وأفرجوا عن كافة البحارة إلا أربعة منهم، كنت أحدهم، الى جانب مهندس السفينة ومساعد القبطان والميكانيكي الرئيسي.
بقينا محتجزين لمدة 11 شهرا على متن السفينة الراسية في المرفأ دون ان يكترث أحد لأمرنا. لقد كنت اكتب الرسائل لفلاديمير بوتين كل شهر، ولم يصلني منه أي رد. وقد أعلن مالك السفينة الذي حصل على مليون دولار مقابل نقل شحنة نترات الامونيوم من باطومي الى موزمبيق، انه لا يملك المال ليحرر السفينة من بيروت، ولا حتى ليدفع اتعاب محام يترافع عنا لتخلي السلطات اللبنانية سبيلنا. فبقينا نحن الرهائن الأربعة على متن السفينة المتهالكة الى ان نفذ الطعام وما كان معنا من نقود، فجعنا بالفعل، لدرجة انه كان يعطف علينا عمال الميناء اللبنانيون ببعض الطعام.
بعد مرور نحو 10 أشهر تمكنا من بيع وقود السفينة الراسية، واستطعنا بهذا المال الاستعانة بمحام لبناني يترافع عنا في المحكمة، وهذا ما حصل، فأفرج القاضي عنا في النهاية لأننا رهائن لا ذنب لنا بديون صاحب السفينة. ولكن السلطات اللبنانية رفضت اخلاء سبيل السفينة المحملة بنترات الامونيوم، عل صاحبها يأتي ويسدد فاتورته.
لقد كانت السفينة قديمة وكانت مثقوبة في أحد أطرافها، وكنا على علم بهذا الثقب، وكانت أولى مهامنا عندما نستيقظ كل صباح ان نضخ الى البحر كمية المياه التي تسربت الى داخل السفينة. ولكن بعد ان تم اخلاء سبيلنا وغادرنا السفينة كل الى بلده، بقيت السفينة تمتلئ شيئا فشيئا بالماء، ولم تكن إدارة المرفأ معنية بإصلاحها او بتشغيل من يضخ المياه منها، فقررت إدارة المرفأ افراغ السفينة من شحنتها وتركها وشأنها. وبالفعل تم افراغ السفينة من حمولتها (2750 طن نترات الامونيوم) الى عنبر 12 في المرفأ وبعد وقت ليس بطويل غاصت السفينة الفارغة الى قعر البحر."
* هذه المادة مترجمة بتصرف عن الروسية لمقابلة مع قبطان السفينة ونشرت اليوم 05.08.2020 في صحيفة "سيبير ريالي - https://bit.ly/33sx3VI) نقلاً عن مقابلة اجراها موقع Current Times باللغة الروسية وهو عبارة عن شبكة تلفزيونية ورقمية تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع للمتحدثين باللغة الروسية. https://bit.ly/2EMRiDh