في مقابل "شيعة السفارات" يمكننا، عملًا بأحكام التوازن الطائفي، تأسيس كتلة "مسيحيي حزب الله" أو "موارنة غب الطلب"، لجمع شمل هؤلاء الذين يستخدمون لدى هذا الحزب الطائفي أو ذاك. وكيف ننسى كلام بشارة الأسمر "رئيس الاتحاد العمّالي العام" الذي تعرّض للبطريرك نصرالله صفير دون سبب سوى اعتقاده أن كلامًا كالذي نطق به، سيُرضي أسياده. ومن بين هذه المجموعات التي تمتهن تبييض الوجه، كيف ننسى ذكر الوزير المستقيل شربل وهبة الذي نعت محاوره السعودي بالبدوي، لا بل كيف ننسى السيدة مي خريش، التي قامت فجأةً بالترويج للسجاد العجمي على الشاشة الصغيرة.
وبما ان إسراف هذه الأخيرة لا عواقب له، سنتوقف عند كلام وزير الخارجية السابق الذي تسبّب بأزمة ديبلوماسية أدّت الى استقالته.
لقد اعتبر البعض أن هذا التهجّم ليس سوى حلقة من مسلسل عداوة متأصلة بين الحركة العونيّة والعاصمة السعودية التي رعت اتفاق الطائف العام 1989. اعتُبِر هذا الاتّفاق السبب الأساسي في التشنّج القائم بين الطرفين، إلى ان خذت المسألة بعداً آخر مع تبنّى التيّار الوطني الحر الطروحات الايرانية. فلقد أقحم الوزير وهبة نفسه في صراع عربيّ فارسيّ يتخطاه. فكيف يجوز لدبلوماسي لبناني استعمال توصيف يعبّر عن عدائيّة إيرانيّة تجاه العرب هم الذين احتلّوا بلاد فارس زمن الفتوحات الإسلاميّة؟.
كلام الوزير في دلالاته، يشير الى تمكّن حزب الله من النموذج النمطيّ الذي يحكم ويدير وزارة الخارجيّة في لبنان. ولنا أن نتساءل إذا ما كان هذا الخلاف التاريخي يعود الى الماضي السحيق أي الى ما قبل اتّفاق الطائف وحتى الى العام 663 م حيث هزمت جيوش الإسلام وتشكيلات من البدو إمبراطوريّة الساسانيين في معركة القادسيّة وأخضعت أمّة تفخر بإرثها الحضاري وبسؤددها وجبروتها؟
هل يا ترى أقحم الوزير نفسه في خلاف تاريخي بين العرب والعجم، ليؤكد لهؤلاء إخلاصه وتفانيه في سبيلهم، مثلما فعل بشارة الأسمر من قبله لاسترضاء أولياء الأمر.
في هذا السياق لنستعد بعض الوقائع:
1- سنة ١٨٠٢ انطلقت القبائل الوهّابية من شبه الجزيرة العربية وغزت كربلاء في العراق. فسفكت الدماء ودمّرت مقام الإمام الحسين. وكان عبد العزيز بن محمد آل سعود قائد تلك الحملة. في السنة التالية اغتيل هذا الأخير انتقاماً، في عاصمته الدرعية في نجد، على يد أحد الشيعة الفرس. الأمر الذي يدل على ان للقضية بعداً شخصياً بين الشيعة على اختلاف جنسياتهم من جهة وآل سعود والوهّابيين من جهة أخرى.
2- يضاف الى ذلك، السجال الذي أطلقته الشعوبيّة في العصر العبّاسي، وهي حركة تناهض سيطرة العرب في عالم الإسلام. وقد تجلّت براديكاليتها الصاخبة في إيران، حيث بلغ الاعتراض على تعريب الثقافة الفارسيّة العريقة أوجه. لم يستطع الفرس يومًا ان يتقبّلوا كيف أن قبائل بدائيّة استطاعت ان تهزمهم في حين كانوا قد روّضوا شعوبًا بأكملها وفرضوا عليها سلطانهم. ومع انهم تبنّوا الديانة الإسلاميّة والخط العربي، فإن حساسيتهم في هذا الامر ما زالت قائمة. لذلك فإن تعبير "بدوي" يتبادر سريعاً الى ذهنهم ولسانهم، وهم الذين أنكروا منذ الدولة العباسيّة فضل العرب على سائر الأمم المنضوية تحت لواء الإسلام.
إنّ على الديبلوماسي اللبناني، يا معالي الوزير، أن يجمع بدل أن يفرّق، وعليه أن يُحجم عن صبّ الزيت على النار.
وللتصويب، ليتك تراجع تاريخ وطنك لبنان. فأبناء بلاد بشارة يعتزّون بأنّهم أبناء جبل عامل، وعاملة كما تعلم قبيلة عربيّة أصيلة، كما ان بني معروف وأبناء وادي التّيم يفاخرون بأصولهم التنّوخيّة. وكيف تتغافل عن كون أبناء مسقط رأسك مشايخ آل الهاشم يعودون بالنسب الى جزيرة العرب وأسرة النبي.
أقول لسعادتكم، ان عند البدو أسيادًا كبارًا جلوّا، فكم أخضعوا عروشا وكم بنوا ممالك. لذا أرجو منك أن تعيد قراءة كتاب البخلاء للجاحظ الذي يقارن بين البدو والخرسانيين، فتتّعظ.
*محام
• نشر في صحيفة اللوريان ليتيرير (الثقافي) بتاريخ ٣ حزيران ٢٠٢١، وترجم بتصرّف.