عيد التحرير وفرص اللحمة الوطنية الضائعة

Post
شارك

٢٥ أيار... قد يمر هذا التاريخ على معظم اللبنانيين مرور الكرام دون ان يفهموا طبيعة المعاناة التي عاشها المواطن اللبناني الجنوبي، عندما دفع الكثير من التضحيات على كافة الصعد حتى وصل الى تحرير ارضه. لن يفهم الكثير من اللبنانيين بالأخص الجيل الجديد معنى كلمة "باتر والأولي" وما تجسده هاتان الكلمتان من معاناة وألم وذل للبنانيين الذين كانوا يتنقلون من والى الجنوب وانا واحد منهم، الا البعض ممن عايشوا تلك الحقبة من تاريخ لبنان المعاصر، أو بعض الذين يرون ويدركون كيف يهان الإنسان الفلسطيني كل يوم في الضفة والقطاع.

كيف لنا ان نصف او نشرح لهذا الجيل والاجيال القادمة من اللبنانيين ان القرار ٤٢٥ بعد صدوره عن مجلس الامن سنة ١٩٧٨ والذي قضى بانسحاب جيش الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب، بقي حبرا على ورق لأكثر من عقدين... قبل ان ينفذ تحت ضغط ضربات المقاومة بحاضنتها الشعبية في الجنوب وليس بضغط من مجلس الأمن في الأمم المتحدة... كيف؟

كيف سيكتب تاريخ لبنان المعاصر وكيف سيحكى عن ابناء هذا الجيل المقاوم. هل ستخضع هذه المحطة الكبيرة في التاريخ اللبناني للحساسيات السياسية والطوائف، كما اغلب الروايات التاريخية التي درسناها في الكتب والتي تتحدث عن استقلال لبنان ورجالاته. وهل سيذكر تاريخ ٢٥ أيار سنة ٢٠٠٠؟ وكيف ستقرأ الأجيال الصاعدة من اللبنانيين هذا الحدث. هل سيذكر بأن جيش الاحتلال الاسرائيلي هزم وانسحب... أم ان عيد المقاومة والتحرير سيلغى، كما فعل فؤاد السنيورة في حكومته "الوطنية"، قبل ان يعاد احياؤه؟!

لعل وهن الهوية الوطنية اللبنانية الجامعة يتجلى في ان الكثير من اللبنانيين لا يكترث لما يحصل خارج نطاق دائرته المذهبية والمناطقية، لا بل لديه قراءته “الخاصة" لما هو "انجاز وطني" وما هو "انجاز للخصم". ولعل المثل الأوضح هو عدم اهتمام اللبنانيين للمعاناة داخل الشريط الحدودي المحتل والذي شكل مساحة تعادل ١٠٪ من مساحة الوطن.

اما في فترة الاجتياح الاسرائيلي للبنان ومحاصرة العاصمة بيروت كانت المناطق اللبنانية الاخرى بعيدة كل البعد عما يحصل في بيروت والجنوب، وكانت المطاعم والملاهي الليلية مكتظة، في ظل انقسام اللبنانيين خلال الحرب الأهلية. تماماً كسنة ١٩٨٩، إبان حرب التحرير. فبينما كانت سوق الغرب والعاصمة بيروت تدك بالمدافع ليلا نهارا، كانت المناطق الأخرى على الضفة الثانية من الموقف السياسي تعيش حالة طبيعية ان لم نقل أكثر.

برغم هذه الصورة المتناقضة كان للبنان وجهاً آخر. فلا أحد يستطيع ان ينكر احتضان اللبنانيين لبعضهم خلال اجتياح ٨٢ او في حرب إسرائيل على لبنان منذ ١٩٩٣ إلى ٢٠٠٦. هذا الحس الجامع لم ينتفِ ابداً رغم الفروقات السياسية. بين التضامن والتناحر تبرز إشكالية زعامات ما بعد الطائف. إشكالية لا تتعلق في انها عرابة الانقسام الذي ساد خلال الحرب الأهلية فحسب، بل في العمق، انها أهدرت فرصة بناء الهوية الوطنية والتلاحم الاجتماعي واضاعتها في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف. فالمواطنة، بحاجة لقناعة المواطنين ببناء المشترك، وهي الدولة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، متى شاهدتم مرة واحدة رئيس مجلس النواب وعلى مدى ثلاثين عاماً يقوم بزيارة رسمية او غير رسمية الى طرابلس او عكار او بشري... وهل سبق لأي رئيس وزراء بزيارة النبطية زيارة رسمية. وكم رئيس جمهورية لبنانية زار اي بلدة في جنوب لبنان... كل ذلك ساهم في تكريس فيدرالية الطوائف…

من بديهيات الخطاب السياسي اللبناني الاشارة الى أن انتماء المواطن اللبناني لطائفته ومذهبه اقوى بكثير من شعوره بالانتماء للدولة التي لاتزال منذ الاستقلال في مرحلة المخاض لم تولد بعد.

لكن بالتلازم مع هذه البديهيات الى متى سيستمر الرياء الذي دخل اللغة المتداولة. فهل نصدق هذه المرادفات والتعابير الرنانة مثل "السلم الاهلي" و"التعايش"، "التنوع"... وهل ستذكر في كتب التاريخ وتدرس للأجيال القادمة؟

إذا كانت النوايا بهذا الاتجاه، فعلى الطبقة السياسية التي نتمنى ان تفرزها قوى إصلاحية جديدة، ان تقنعنا من خلال ممارسة العمل السياسي والتشريع انها جادة، وان الطوائف في لبنان نعمة وليست نقمة. كفانا تكاذباً. نحن أبناء محطتين: الاستقلال والتحرير. عشتم وعاش ٢٥ أيار.

شارك