الجلاد الضحية.. خلاصات من سردية الحرب البشعة
لقد انهيت للتو قراءة كتاب جوزيف سعادة، المعروف بسفاح السبت الاسود. كتاب مؤلم بدون شك، ارجعني الى حقبة "كره الذات" بمنتصف التسعينات من القرن الماضي وانا في العشرينات من عمري. لماذا كتب المقاتلون والمقاتلات من الكتائب والقوات والاحرار مذكراتهم/ن القتالية في سرد شخصي يقرب الى العاطفية أحيانا، وان كانت معظم الكتب محاولات تأريخية لمختلف حقبات الحرب الاهلية، من اسعد شفتري، لمارون مشعلاني، وندى المر وجوسلين خويري وريجينا صنيفر وجوزيف سعادة وآخرين كثر، ولم ار كتبا، اقله ليس بالاعداد نفسها لمقاتلين من الطرف الاخر؟
هل هناك كتب مماثلة لدى الطرف الاخر، لا ادري، ربما لم تصل الى حيث انا كما لم تكن تصل إذاعة صوت الشعب الى ملجأي الشرقي ولم تكن تصل جريدة السفير الى كليتي الثانية (الاعلام، الفرع الثاني في الفنار)
لقد قمت بالواجب وكسرت جميع القيود ودمرت المعابر نفسيا وجسديا واسقطت اكياس الرمل وجدران الباطون التي كانت تحمي المدنيين من القناصين. وعبرت. عبرت الى نصفي الثاني منذ زمن بعيد وما زال نصفي الاول يسكنني.
هل كتب هؤلاء ندما او تباهيا؟ هل هي صرخة روح معذبة او امعان في الاجرام لزرع الحقد في ذاكراتنا المتألمة؟ هل اتعاطف مع رجل فقد ولديه او انبذ رجلا قتل المئات؟ هل احزن لرجل فقد كل شيء واصبح عاريا مسكينا تركه السلم مقاتلا عاطلا عن العمل أو افرح لنهايته المؤلمة؟ أي نوع من البشر نحن، نعيش مع كل هذه الذكريات المريضة، لا بل نبحث عنها، ونرفض النسيان ونتألم بها ومعها ولأجلها وبدونها.
يقول احدهم، التاريخ يعيد نفسه لان البشر لا يفهمون. فهمت. فهمت أن التقاتل بحاجة الى إلَه لا أعرفه ليكون اكثر شراسة. فهمت ان زعماءنا منذ تأسيس هذا الكيان الهجين حقراء، لا تحركهم سوى مصالح ضيقة يغلفونها باسم الله والدين ويرسلون اطفالا للقتال بينما هم يجتمعون مع خصومهم ويعقدون اتفاقيات وقف إطلاق النار في حين يمارس المقاتلون حفلات الجنون خلف الجبهات.
فهمت اننا جميعنا ضحايا وبعضنا اختاروا ان يكونوا جلادين. فهمت انني أعيش مسجونة في ذكرياتي منذ أن كنت طفلة استعيد فصول الحرب كل يوم، ابحث في وجوه من اقابلهم عن مفقود، شهيد، مقاتل، ضحية، او جلاد. ارسم خطوط تنقلاتي في وطني على خطوط تماس وهمية رسمها حاقدون واتعمد خرقها كل يوم. اتخيل قذائف تنهمر علي من كل صوب واهرب من سيارات مفخخة هنا وهناك. اربط تواريخ أعياد ميلاد من اعرفهم بحوادث متعلقة بهذه الحرب اللعينة، وادرك، وانا في ال٤٢ من عمري، ان هذه الحرب قد تكون انتهت للكثيرين، ولكنها تعيش في داخلي، واعيش تفاصيلها.
لن أنسى ولن أسامح.
*باحثة وكاتبة ورئيسة سابقة للجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات