الضحك أو الموت: عن عوارض الأزمة الاقتصادية

Post
شارك

أعتقد أن العديد من المراقبين الدوليين والمحليين سيعانون من عوارض عندما يتأملون نهاية لظاهرة الفساد في لبنان، التي هي أصل البلاء.

آثار الفساد هائلة ومفاعيلها السياسية جعلت العلاقة بين المواطنين والدولة هشة، مما أفقدها هيبتها. كما ان تزايد الأعباء المالية خاصة فيما يتعلق بالاستثمار ونقص حوكمة الشركات، وكذلك الآثار الاجتماعية والاقتصادية.

لقد انخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 65٪ منذ أكتوبر 2019، على وجه التحديد. لكن آثار التعبئة العامة والإغلاق الكلي للبلاد إثر تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تكاملت مع الإنهيارالإقتصادي وإفلاس الشركات وتسريح آلاف العمال بشكل جماعي.

ووفقًا لمقال نشرته مجلة فورين بوليسي مؤخراً بعنوان "وفاة الطبقة الوسطى في لبنان"، فقدت هذه الطبقة ما يقرب من ثلثي قدرتها الشرائية وانتقلت إلى القعر الأدنى، وبحسب رأي كاتب المقال أنكال فوهرا فإن تلاشي الطبقة الوسطى في أي بلد يحدث اختلالًا تامًا في النظام بأكمله وتعطلًا اجتماعيًا.

كان لبنان يمر بأزمة قبل فترة طويلة من الاضطراب الناجمة عن جائحة فيروس، تعود نشأتها إلى التسعينيات، عندما كان لا بد من إعادة بناء البلاد بعد الحرب الأهلية خلالها. ولكن بعد ذلك، اختل ميزان المدفوعات. لم تقم الدولة بتصدير أي شيء واستوردت كل شيء، مما أفرغ الخزينة العامة بعد ان استتب الفساد والهدر.

يقول رئيس مجلس الوزراء حسان دياب في مقاله الذي نشره مؤخراً في صحيفة "واشنطن بوست" أن لبنان معرض لمواجهة أزمة غذائية كبرى، وأن الكثير من اللبنانيين قد يجدون صعوبة قريباً في توفير ثمن الخبز بسبب الأزمة المالية الحادة التي تعيشها البلاد وتداعيات جائحة (كوفيد - 19)، وأن الانهيار المالي في لبنان يمكن أن يدفع البلاد إلى أزمة غذاء كاملة، حيث أصبح الناس الذين يعانون من ارتفاع الأسعار وتداعيات الجائحة غير قادرين على تحمل حتى أساسيات مثل شراء الخبز.

ويعاني لبنان حالياً من أزمة اقتصادية تسببت في فقدان الدولارات من الاسواق المالية، حيث فرضت البنوك ضوابط صارمة على سحب الأموال (Capital Control)، وزادت البطالة ، وتعثرت عملية تسديد الديون السيادية في مارس الماضي - كل ذلك قبل الضربة القاضية لتفشي فيروس كورونا.

وتخطط الحكومة للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي (IMF) بعد الموافقة على خطة الإنقاذ الاقتصادي التي تحدد الخسائر الهائلة في نظامها المالي لأنها تهدف إلى رسم مخرج من الأزمة التي تعتبر أكبر خطر على الاستقرار منذ الحرب الأهلية.

إن الفساد وسوء الإدارة متجذران منذ عقود، وقد تفاقمت هذه العوامل بسبب سياسات التعيين في المناصب العامة التي تفتقر إلى الكفاءة والجدارة، وانتشار المحسوبيات والحصص الطائفية التي تعد في صلب التركيبة السياسية في لبنان، الأمر الذي تسبب في تعميق المصاعب الاقتصادية المتزايدة وإذكاء الاضطرابات.

ينظر الجميع إلى صندوق النقد الدولي على نطاق واسع على أنه المنقذ الوحيد للبنان. دول عدة قامت في الماضي بدعم لبنان، لكن هذه المرة عليه تنفيذ إصلاحات طال انتظارها قبل الحصول على أي مساعدة، وهو الذي يسعى للحصول على دعم مالي خارجي يتجاوز 10 مليار دولار. هذا بالإضافة إلى حوالي 11 مليار دولار من الأموال التي تعهد بها المانحون في 2018 لمشاريع البنية التحتية، وهي المشروطة بإصلاحات تأخرت طويلاً.

مرة أخرى، ومن كثر الإحباط، ومجازاً ربما، سوف "نموت من الضحك" إذا نجح لبنان في استئصال الفساد من أجل إصلاح اقتصاده، حيث يبقى السؤال الأزلي هو: مَنْ مِن الجهات أو القوى السياسية أو الحزبية أو حتى قوى "المجتمع المدني"، على استعداد لتقديم برنامج عمل ومقترحات جدية يمكن أن تؤدي إلى دولة الرفاه والأمن والأمان للشعب اللبناني؟

هذه البقعة الجغرافية الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط كانت خلال الستينيات والسبعينات مزدحمة بنخب فكرية ثورية متعطشة ومتشعبة. وهذه المنحدرات والجبال كانت ذات يوم منصة سنوية تستعرض آخر صيحات الملابس الفاخرة على منحدرات التزلج في فاريا، تحولت اليوم إلى قصة تجمع "العذاب والنشوة". قصة رعب مثيرة للاهتمام حول الإرادة القوية لأبطالها: أشخاص ذوي اهتمامات مختلفة يمكنهم العمل معًا وتحقيق إنجازات متباينة وكارثية دون المساومة على مبادئهم.

***

استطراداً في موضوع الموت من الضحك... بناء على رواية المؤرخ ديوجانس اللايرتي لم تنطبق مقولة “الضحك هو أفضل دواء” على الفيلسوف خريسيبوس، أبرز وجه للمدرسة الرواقية الذي توفي عن عمر يناهز 73 سنة. ففي حدود سنة 206 قبل الميلاد وبالتزامن مع فترة الأولمبياد رقم 143، وعقب إكثاره من شرب الخمر، شاهد خريسيبوس حمارا وهو بصدد أكل حبة تين فما كان منه إلا أن انفجر ضاحكا مطالبا بمنح الحمار كأس خمر لمساعدته على الهضم. عندها دخل الفيلسوف الشهير في نوبة ضحك هستيرية انتهت بوفاته.

وكما يروى، توفي الفيلسوف الإغريقي خريسيبوس، أن بيترو أريتينو الذي فارق الحياة سنة 1556 بسبب الاختناق من شدة الضحك، وهو مؤلف وكاتب مسرحي وشاعر ورسام إيطالي بعد ان اخبرته شقيقته نكتة قذرة.

أما آرثر ديميسديل، الشخصية الخيالية وبطل الرواية الرومانسية "الحرف القرمزي التي كتبها ناثانيل هوثورن عام 1850 لم يضحك سعيداً. ضحكه ملوث بالندم والذنب والخطيئة. إن روح ديميسدال في "عذاب الضحك" الذي يصفه فيه لهجة من الاستهزاء واللعنة. الضحك في بعض الأحيان هو شكل من أشكال "التشويه الممنهج"، كأنما إذا ضحكنا فإن ذلك سيؤدي إلى حالات من الرعب والمعاناة.

لا نتمى الموت لاحد بالتأكيد، لكن على اللبنانيين ان يضحكوا مع زعمائهم الكبار، فربما يدركون ماهية الوضع المنهار الذي نحن فيه.

شارك