لبنان بين حصان طروادة وكعب آخيل

Post
شارك

يشهد لبنان منذ أكثر من أربعة عقود نوعا" من عدم الاستقرار، بدءاً من الحرب الأهلية المشؤومة مروراً بالاحتلال الإسرائيلي وحربه الثانية على لبنان وانتهاء" بما آلت اليه الأوضاع الاقتصادية التي أفضت الى ثورة عارمة لا زلنا فيها تحت خطر انهيار مالي (حدث ولم يُعلن).

تخلل ذلك بما سمي بحرب التحرير أو حرب الإلغاء تبعه اتفاق الطائف الذي وضع (مبدئياً) من أجل إنهاء الحرب اللبنانية بين الطوائف، لتبدأ حرب اقتصادية من نوع آخر (سلمية) بين زعماء الطوائف الذي سارعوا منذ ذلك الحين الى انشاء ميليشيات سياسية تنهب ثروات وطنهم (الحبيب) بطريقة المقاسمة والمحاصصة، وتستبيح صناديق الهبات الإقليمية والدولية التي تدفقت على لبنان لنفض غبار الحرب الأهلية والنهوض بلبنان من جديد.

على ذكر اتفاق الطائف، فقد شهدت في أوائل العقد الحالي محاضرة ألقاها أحد السياسيين اللبنانيين البارزين أمام طلاب جامعة العلوم السياسية في جنوب فرنسا، تحدث فيها عن اتفاق الطائف وأسهب في شرح مزاياه وفوائده التي عادت على الشعب اللبناني بالاستقرار الأمني وإنهاء الحرب اللبنانية الى غير رجعة، لكنه نسي (أو تناسى) أن في هذا الاتفاق خللا" ينافي ما تقتضيه مصلحة البلاد العامة، وذلك بعودة امراء الحرب الى سدة الحكم وإصدارات العفو العام لمن أدينوا بجرائم الحرب و و و ...، كل ذلك تحت عنوان "اللي فات مات" و "رح نفتح صفحة جديدة" و "الله يلعن الشيطان"... الى ما هنالك من حكايات جدتي.

حصان طروادة:

يرى فريق من اللبنانيين أن مشكلة البلد الرئيسية هي سلاح حزب الله، اذ لولا سلاح حزب الله والتدخل الإيراني في شؤون لبنان، ومن ثم العقوبات الأمريكية على إيران لما كان هناك أزمة، ولكان لبنان في طليعة الدول المتقدمة في الشرق الأوسط.

وليس غريباً أن نرى معظم دول الخليج تؤيد هذه العقوبات للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة لأسباب سياسية مذهبية، وما تراه اليوم في لبنان ما هو الا حصيلة حرب بالوكالة بين إيران ودول الخليج.

على اننا قد لمسنا في الآونة الأخيرة تقارباً ايرانياً سعودياً يهدف إلى خفض التصعيد في المنطقة وذلك بعد التلويح الإيراني برفع نسبة تخصيب اليورانيوم رداً على العقوبات الأمريكية، الأمر الذي اثار مخاوف سعودية من امتلاك إيران قنبلة نووية، هذا بالإضافة إلى دعوات اسرائيلية بعمل عسكري ضد إيران لا تحمد عقباه ولا تسلم منه أي من دول المنطقة.

ولا بد من التنويه بأن موجة تطبيع العلاقات العربية-الاسرائيلية الأخيرة قد أثارت حفيظة إيران، ادت الى الدفع بها إلى رفع سقف خطابها السياسي بين تنديد وتهديد، وتوعد ووعيد...

كعب آخيل (أو وتر آخيل):

يرى الفريق الآخر من اللبنانيين أنه منذ قيام الدولة العبرية المحتلة عام 1948، عملت هذه الدولة على توطيد وتوسيع رقعة دولتها عبر سياسة القتل والتصفيات والإعتداء على جيرانها وقضم الأراضي وبناء المستوطنات، بمباركة أمريكية وغطاء دولي لا يحرك ساكنا" سوى الاستنكار -في أقصى الحالات- مصحوباً بتخاذل وتواطؤ مشجعين الدولة الصهيونية بالاعتداء بشكل دوري وممنهج، ناهيك عن الممارسات القمعية اليومية لهذه الدولة بحق الشعب الفلسطيني.

بناءً عليه، يرى هذا الفريق ضرورة وجود سلاح حزب الله في لبنان لحمايته من المطامع الصهيونية.

إذا" فالمشكلة " تكمن بوضع لبنان الجغرافي البائس على حدود الدولة الصهيونية (المفترض أن يكون وضعه الجغرافي إحدى مميزاته)، الذي يحتّم امتلاك سلاح فعّال لمواجهة النوايا الإسرائيلية.

كان هناك ولا يزال أزمة كبيرة هي الاتفاق بين اللبنانيين على تحديد سياسته الخارجية بحزم وعزم، دون أن يكون نعجة يقودها من يمتلك عصا أكبر.

إذا سألوك يوما" عن حل المشكلة في لبنان، فأجب بالشكل التالي:

عندما نعالج كعب آخيل ونروّض حصان طروادة.

*كاتب ومحلل مقيم في فرنسا

شارك