"ضمة" زينب شرف الدين، حرف الحياة والموت
الغلاف والرسوم الداخلية لساره ساروفيم
كتاب: ضمة
النوع: مجموعة قصص صغيرة
دار النشر: صنوبر بيروت
تاريخ النشر: ٢٠٢٣
بعد أن طرحت الكاتبة المتألقة زينب شرف الدين في روايتها الأولى"قبل صلاة الفجر"، سؤالاً إنسانياً كبيراً "هل يستطيع الإنسان أن يبدأ الحياة ويعيش الحاضر، وينظر إلى الأفق ويستشعر الفجر دون التسامح مع الماضي وفهم موروثاته؟". ها هي اليوم في كتابها الجديد "الضمة " تأخذنا إلى حيث البدايات، إلى الرحم الأول حيث تنبت وتتشكل بداخله الحياة واللغة والذاكرة والإنسان.
"الضمة"، كتاب جمع عدة قصص صغيرة، لكنها مترابطة ومتكاملة ومتشابكة، تبحث فيها الكاتبة عن معظم إشكاليات الوجود الإنساني من حب وخيانة وقمع وظلم وجمال. لكن الأكثر عمقاً هو ما لامسته وصاغته الكاتبة عن علاقة جدلية ما بين الموت والولادة. فالموت عندها هو العودة إلى خلق جديد...!، وهذا ربما يجعلنا نتقبل ولو بحسرة كبيرة وحزن عميق، موت الأم .
في القصة الأولى بعنوان "شجرة الدفئ"، تصف فيه الكاتبة لحظات وجودية قاسية عاشتها أمام احتضار الأم، بكلمات نابعة من شعور إنساني مزروع في باطننا، لا يخرج إلى العلن إلا في حالة إقرارنا بعجزنا أمام حدث محتوم، وبصدق مطلق تكتب: "بين سكرات الموت وغمراته، أراقت ماء الحياة حضني، وسبحت إلى ّضفة الموتى، مبتسمة. ماء امتزج في ذاكرتي بفيض ٍماء اندفع من رحمي، عندما وافاني طلق الولادة، فعام عليه ابني إلى ضفة الحياة باكيا".
نعم نحن نقبل الموت أمام استمرارية الحياة وإلا فلا معنى لهذا العناء كله.
المرأة هي الأصل...!، هذا ما تأكده الكاتبة، ليس لأعلاء قيمة المرأة فحسب بل لتحميلها مسؤولية بناء الإنسان والمجتمع. فالذاكرة تبدأ مع اللحظة الأولى لتكوين الجنين، وهو يسبح في صفوة ماء الأمومة وينمو من خلاصة دمها. فعالم اللاوعي، هذا العقل الباطني والمحرك اغير المباشر لسلوكنا قد تشكل في تلك الحقبة من الحمل ومن الضمة الأولى للأم لحظة الولادة.
تصف الكاتبة تلك المرحلة بشكل جميل وأسلوب مبدع فتقول في سرد قصة "ذاكرة ماء" ما يلي:
"من صفوة ٍماء انبعثت أعوم في لجٍة دافئة، مياه رقيقة تمسد جسدي الضئيل. يهدهدني السكون، وتشدو لي الطمأنينة. تكشف لي العتمة عن بطنها فأرى ألوانًا من دون أسماء".
أما الاتصال الروحي بين الأحبة، التي تحدثنا عنه زينب شرف الدين بإسهاب، هو حالة تصوف نعيشها في اللامكان واللازمان، هي ذاك الحضن الدافئ حين يشتد الصقيع، هي ضمة العاشقين بعد أن طال الفراق، هي النور الذي يضيء لنا الظلام، هي المناجاة مع آخر رمق للحياة.
الهروب إلى الإبداعات والفنون والموسيقى والغناء من عناء الحياة ومآسيها وظلمها هو السبيل لجرعة قوة كي نستمر ونبقى. لقد أستطاع الغناء أن يُخرج بطلة قصة "مرايا رحمة" من سجنها الصغير إلى غابات وفضاءات لا حدود لها، فالغناء هو صراخ الروح للحرية .
كم نحن بحاجة لحضن حبيب، كم نحن بحاجة لكلمة، لفكرة تعيدنا إلى إنسانيتنا. كم نحن بحاجة لضمة...! شكرا، زينب شرف الدين على هذه اللحظات الجميلة والمبكية أحيانا، التي قضيتها برفقة كتابك هذا.
- كان هذا النص قد نشر على صفحة الفايسبوك الخاصة بالأستاذ محمد شرف الدين
*كاتب وناقد